صلاح الدين يحكي التاريخ عنه أنه لم تجب عليه الزكاة يوماً في ماله لكثرة إنفاقه وهو في هذا المنصب ففي معركة عكّا جهّز الجيش بإحدى عشر ألف فرس على نفقته الخاصة فكانت النتيجة أن الناس على دين ملوكهم أتباع نور الدين والمحيطين بصلاح الدين كانوا يتنافسون في هذا الخير وفى هذا العمل
وكان صلاح الدين مع انشغاله بأمور دولته وأمور المسلمين لا يترك قيام الليل وجعل قيام الليل طابوراً ألزم به جيشه وقواته وكان يُرسل من يفتش عليهم في وقت السحر ليرى ما يصنعون ليتحقق النصر {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد7
إذن ما الذي يحقق النصر؟ التربية الإسلامية واليقين والزهد في الدنيا والأهواء والشهوات
كيف حققت الدولة العثمانية كل الفتوحات حتى اكتسحت دول أوروبا والدول الغربية في طرفة عين؟ جاءوا بصبيان وأدخلوهم في مدارس دينية عسكرية وكان أيضاً من هؤلاء الصبيان كثير من النصارى وليسوا مسلمين فأسلموا وتعلموا الدين وتعلموا العسكرية وربوهم على الفدائية والرغبة فيما عند الله والزهد في الدنيا ما اسمهم؟ الإنكشارية أليس هؤلاء هم الجيش الذي حقق هذا النصر كله؟
هل حقق ذلك بخبرته العسكرية فقط أم بتربيته أيضاً؟ بالتربية التي تربى عليها وهذه التربية هي التي حققت هذا الفتح حتى وصلوا إلى فيينا في النمسا الآن واكتسحوا كل الدول الأوروبية ومن الجهة الأخرى وصلوا إلى شاطئ المحيط الأطلسي واكتسحوا كل الدول العربية بماذا؟ بهذه الروح التي تربوا عليها التربية الإيمانية
وكان السلطان العثماني أيضاً من أهل هذه التربية فلذلك أول ما دخل الشام سأل: أين قبر مُحيى الدين؟ وكانوا قد قالوا قبل ذلك (إذا دخل السين في الشين ظهر قبر محي الدين) فظهر أن السين هي السلطان سليم والشين هي بلاد الشام فلما دخل السلطان سليم أحيا قبر محيى الدين لعقيدته في الصالحين وهو الذي أسسه وبناه وجعله على هيئته التي عليها الآن
وكان حريصاً على أن يحظى بمفتاح الحرمين وهو أول من سمّى نفسه بخادم الحرمين لأن هذا كان مناه وهو شرفه العالي وهو أن يكون في خدمة الحرمين الشريفين قال صلي الله عليه وسلم {لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ}[1]
حاول المسلمون أن يفتحوا القسطنطينية فلا يستطيعون إلى أن جاء السلطان محمد الفاتح وكان السلطان محمد الفاتح يتربَّى تربية روحية على يد رجلٍ من الصالحين اسمه باللغة التركية (آق سُنجُر) وكان رجلاً من أهل الكشف حاصر السلطان محمد القسطنطينية وكان لا يفعل شيئاً إلا إذا استأذن شيخه فقال لشيخه: أأبدأ في فتح القسطنطينية؟ فيقول له: انتظر
حتى جاء في يوم وقال له: ابدأ اليوم فقد رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم أتى وعبر إلى الجانب الذي فيه الروم فأبشر قد أتى النصر فأمر الجند بالهجوم فنظروا فوجدوا باباً في الحصن تُرك صدفة ولا يعلمون من فتحه فدخلوا منه وفتحوا باب الحصن وكان سبباً في النصر ما السبب؟ هذه التربية الربانية التي كانوا عليها
حتى آخر سلاطين العثمانيين وهو السلطان عبد الحميد وكان له شيخاً من بلاد الشام وأرسل إلى شيخه رسالة وهى موجودة إلى الآن يذكر فيها سبب زوال خلافة العثمانيين قال له: جاءني اليهود وعرضوا علي كذا وكذا على أن أسمح لهم بإقامة دولة لهم في فلسطين فقلت لهم: هل أبيع مجد آبائي وأجدادي بهذا المال؟ لا يكون ذلك أبداً فدبروا مؤامرة للقضاء عليه ولذلك الذي قضى عليه هو مصطفى كمال أتاتورك حيث كان من يهود الدُونمة
[1] الحاكم في المستدرك، ومسند الإمام أحمد عن بشر الغنوي
منقول من كتاب شراب اهل الوصل للشيخ فوزي محمد ابو زيد